کد مطلب:109882 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:168

خطبه 164-آفرینش طاووس











ومن خطبة له علیه السلام

یذكر فیها عجیب خلقه الطاووس

خلقة الطیور

ابْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجِیباً مِنْ حَیَوَانٍ وَمَوَاتٍ، وَسَاكِنٍ وَذِی حَرَكَاتٍ، وَأَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَیِّنَاتِ عَلَی لَطِیفِ صَنْعَتِهِ، وَعَظِیمِ قُدْرَتِهِ، مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ، وَمُسْلِّمَةً لَهُ، وَنَعَقَتْ فِی أَسْمَاعِنَا دَلاَئِلُهُ عَلَی وَحْدَانِیَّتِهِ، وَمَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ الْأَطْیَارِ الَّتِی أَسْكَنَهَا أَخَادِیدَ الْأَرْضِ، وَخُرُوقَ فِجَاجِهَا، وَرَوَاسِی أعْلاَمِهَا، مِنْ ذَوَاتِ أَجْنِحَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهَیْئَاتٍ مُتَبَایِنَةٍ، مُصَرَّفَةٍ فِی زِمَامِ التَّسْخِیرِ، وَمُرَفْرِفَةٍ بِأَجْنِحَتِهَا فِی مَخَارِقِ الْجَوِّ المُنفَسِحِ وَالْفَضَاءِ المُنفَرِجِ. كَوَّنَهَا بَعْدَ إِذْ لَمْ تَكُنْ فِی عَجائِبِ صُوَرٍ ظَاهِرَةٍ، وَرَكَّبَهَا فِی حِقَاقِ مَفَاصِلَ مُحْتَجِبَةٍ، وَمَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالَةِ خَلْقِهِ أَنْ یَسْمُوَ فِی الْهَوَاءِ خُفُوفاً، وَجَعَلَهُ یَدِفُّ دَفِیفاً، وَنَسَقَهَا عَلَی اخْتِلاَفِهَا فِی الْأَصَابِیغِ بِلَطِیفِ قُدْرَتِهِ، وَدَقِیقِ صَنْعَتِهِ; فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِی قَالَبِ لَوْنٍ لاَ یَشُوبُهُ غَیْرُ لَوْنِ مَا غُمِسَ فِیهِ، وَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِی لَوْنِ صِبْغٍ قَدْ طُوِّقَ بِخِلاَفِ مَا صُبِغَ بِهِ.

الطاووس

وَمِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُوسُ، الَّذِی أَقَامَهُ فِی أَحْكَمِ تَعْدِیلٍ، وَنَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِی أَحْسَنِ تَنْضِیدٍ، بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ، وَذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ. إذَا دَرَجَ إلَی الْأُنْثَی نَشَرَهُ مِنْ طَیِّهِ، وَسَمَا بِهِ مُطِلاًّ عَلَی رَأْسِهِ كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِیٍّ عَنَجَهُ نُوتِیُّهُ. یَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ، وَیَمِیسُ بِزَیَفَانِهِ، یُفْضِی كَإِفْضَاءِ الدِّیَكَةِ، وَیَؤُرُّ بِمَلاَقِحِهِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ لِلضِّرَابِ أُحِیلُكَ مِنْ ذلِكَ عَلَی مُعَایَنَةٍ، لاَ كَمَنْ یُحِیلُ عَلی ضَعِیفٍ إسْنَادُهُ، وَلَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ یَزْعُمُ أَنَّهُ یُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا مَدَامِعُهُ، فَتَقِفُ فی ضَفَّتَی جُفُونِهِ، وأَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذلِكَ، ثُمَّ تَبِیضُ لاَ مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ سِوَی الدَّمْعِ الْمُنبَجِسِ، لَمَا كَانَ ذلِكَ بَأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ ! تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِیَ مِنْ فِضَّةٍ، وَمَا أُنْبِتَ عَلَیْهَا مِنْ عَجِیبِ دَارَاتِهِ، وَشُمُوسِهِ خَالِصَ الْعِقْیَانِ، وَفِلَذَ الزَّبَرْجَدِ. فَإنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ قُلْتَ: جَنِیً جُنِیَ مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبِیعٍ، وَإنْ ضَاهَیْتَهُ بِالْملابِسِ فَهُوَ كَمَوْشِیِّ الْحُلَلِ أَوْ كَمُونِقِ عَصْبِ الَیمَنِ، وَإنْ شَاكَلْتَهُ بِالْحُلِیِّ فَهُوَ كَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ، قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَیْنِ الْمُكَلَّلِ. یَمْشِی مَشْیَ الْمَرِحِ الْمُخْتَالِ، وَیَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَجَنَاحَهُ، فَیُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ، وَأَصَابِیغِ وِشَاحِهِ; فَإذَا رَمَی بِبَصَرِهِ إِلَی قَوَائِمِهِ زَقَا مُعْوِلاً بِصَوْتٍ یَكَادُ یُبِینُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهٍ، وَیَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ، لِأَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوَائِمِ الدِّیَكَةِ الْخِلاَسِیَّةِ. وَقَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِیصِیَةٌ خَفِیَّةٌ، وَلَهُ فِی مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ، وَمَخْرَجُ عَنُقِهِ كالْإِبْرِیقِ، وَمَغْرَزُهَا إلَی حَیْثُ بَطْنُهُ كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ الْیَمَانِیَّةِ، أَوْ كَحَرِیرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ، وَكَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ; إلاَّ أنَّهُ یُخَیَّلُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ، وَشِدَّةِ بَرِیقِهِ، أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ، وَمَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِی لَوْنِ الْأُقْحُوَانِ، أَبْیَضُ یَقَقٌ، فَهُوَ بِبَیَاضِهِ فِی سَوَادِ مَا هُنَالِكَ یَأْتَلِقُ. وَقَلَّ صِبْغٌ إلاَّ وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ، وَعَلاَهُ بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ وَبَرِیقِهِ، وَبَصِیصِ دِیبَاجِهِ وَرَوْنَقِهِ، فَهُوَ كَالْأَزَاهِیرِ الْمَبْثُوثَةِ، لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِیعٍ، وَلاَ شُمُوسُ قَیْظٍ. وَقَدْ یَنْحَسِرُ مِنْ رِیشِهِ، وَیَعْرَی مِنْ لِبَاسِهِ، فَیَسْقُطُ تَتْرَی، وَیَنْبُتُ تِبَاعاً، فَیَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الْأَغْصَانِ، ثُمَّ یَتَلاَحَقُ نَامِیاً حَتَّی یَعُودَ كَهَیْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ، لاَ یُخَالِفُ سَالِفَ أَلْوَانِهِ، وَلاَ یَقَعُ لَوْنٌ فِی غَیْرِ مَكَانِهِ! وَإذَا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْكَ حُمْرَةً وَرْدِیَّةً، وَتَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِیَّةً، وَأَحْیَاناً صُفْرَةً عسْجَدِیَّةً فَكَیْفَ تَصِلُ إلَی صِفَةِ هذَا عَمَائِقُ الْفِطَنِ، أَوْ تَبْلُغُهُ قَرَائِحُ الْعُقُولِ، أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ أَقْوَالُ الْوَاصِفِینَ! وَأَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ أَعْجَزَ الْأَوهَامَ أَنْ تُدْرِكَهُ، وَالْأَلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ! فَسُبْحَانَ الَّذِی بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقٍ جَلاَّهُ لِلْعُیُونِ، فَأَدْرَكَتْهُ مَحْدُوداً مُكَوَّناً، وَمُؤَلَّفاً مُلَوَّناً، وَأَعْجَزَ الْأَلْسُنَ عَنْ تَلْخِیصِ صِفَتِهِ، وَقَعَدَ بِهَا عَنْ تَأْدِیَةِ نَعْتِهِ!

صغار المخلوقات

وَسُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ قَوَائِمَ الذَّرَّةِ وَالْهَمَجَةِ إلَی مَا فَوْقَهُمَا مِنْ خَلْقِ الْحِیتَانِ وَالْفْیِلَةِ! وَوَأَی عَلَی نَفْسِهِ أَلاَّ یَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ فِیهِ الرُّوحَ، إِلاَّ وَجَعَلَ الْحِمَامَ مَوْعِدَهُ، وَالْفَنَاءَ غَایَتَهُ.

منها فی صفة الجنة

فَلَوْ رَمَیْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ مَا یُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَی الدُّنْیَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَلَذَّاتِهَا، وَزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا، وَلَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِی اصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ غُیِّبَتْ عُرُوقُهَا فِی كُثْبَانِ الْمِسْكِ عَلَی سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا، وَفِی تَعْلِیقِ كَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِی عَسَالِیجِهَا وَأَفْنَانِهَا، وَطُلُوعِ تِلْكَ الِّثمارِ مُخْتَلِفَةً فِی غُلُفِ أَكْمَامِهَا، تُجْنَی مِنْ غَیْرِ تَكَلُّفٍ فَتأْتی عَلَی مُنْیَةِ مُجْتَنِیهَا، وَیُطَافُ عَلَی نُزَّالِهَا فِی أَفْنِیَةِ قُصُورِهَا بِالْأَعْسَالِ الْمُصَفَّقَةِ، وَالْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ. قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْكَرَامَةُ تَتََمادَی بهِمْ حَتَّی حَلُّوا دَارَ الْقَرَارِ، وَأَمِنُوا نُقْلَةَ الْأَسْفَارِ. فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ أَیُّهَا الْمُسْتَمِعُ بِالْوُصُولِ إلَی مَا یَهْجُمُ عَلَیكَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ، لَزَهِقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَیْهَا، وَلَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِی هذَا إِلَی مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالاً بِهَا. جَعَلَنَا اللهُ وَإِیَّاكُمْ مِمَّنْ یَسْعَی بِقَلْبِهِ إِلی مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ.

تفسیر بعض ما فی هذه الخطبة من الغریب

قال السید الشریف رضی الله عنه: قَوْلُهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: «ویَؤُرُّ بِمَلاقِحِهِ» الْاَرُّ: كِنَایَةٌ عَنِ النّكَاح، یُقَالُ: أرّ المَرْأةَ یَؤُرّهَا، إذَا نَكَحَهَا. وَقَوْلُهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: «كَأنّهُ قلْعُ دَارِیّ عَنَجَهُ نُوتیّهُ» الْقلْعُ: شِرَاعُ السّفِینَةِ، وَدَارِیّ: مَنْسُوبٌ إلی دَارِینَ، وَهِیَ بَلْدَةٌ عَلَی الْبَحْرِ یُجْلَبُ مِنْهَا الطّیبُ. وَعَنَجَهُ: أَیْ عَطَفَهُ. یُقَالُ: عَنَجْتُ النّاقَةَ أَعْنُجُهَا عَنْجاً إذَا عَطَفْتُهَا. وَالنّوتی: الْمَلاّحُ. وَقَوْلُهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: «ضَفّتَیْ جُفُونِهِ» أَرَادَ جَانِبَیْ جُفُونِهِ. وَالضّفّتَانِ: الجانِبَانِ. وَقَوْلُهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: «وَفِلَذَ الزّبَرْجَدِ» الْفِلَذُ: جَمْعُ فِلْذَة، وَهِیَ القِطْعَةُ. وَقَوْلُهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: «كَبَائِسِ اللّؤْلُؤِ الرّطْبِ» الْكِبَاسَة: الْعِذْقُ. وَالْعَسَالِیجُ: الْغُصُونُ، وَاحِدُهَا عُسْلُوجٌ.